كيف قلب ساوثامبتون المنطق وحلق من دون أجنحة؟

محمد عواد – كووورة – لم يتوقع أحد أن ينجح ساوثامبتون بتحقيق إنطلاقة جيدة هذا الموسم، فالفريق باع كل لاعبيه لدرجة جعلت مدربه رونالد كومان يضع صورة التدريبات من دون لاعبين ولا معدات، كنوع من الدعابة على حسابه الشخصي في تويتر، لكن هذا الفريق يحتل مع انطلاقة الدوري المركز الثالث برصيد 13 نقطة، وبفارق نقطة واحدة فقط عن مانشستر سيتي صاحب المركز الثاني.

قد لا ينتهي ساوثامبتون في المراكز الأربعة الأولى، فقد حقق انطلاقة قوية الموسم الماضي ختمها محتلا المركز الثامن، لكن مثل هذه المراكز تغذي مشروعه وتخلق استقراره، فهي تضمن له دخلاً أفضل بسبب مركزه الذي يحتله، إضافة إلى ضمان استمرار تدفق حقوق البث التلفزيوني وتذاكر المباريات التي تساعده على تطوير مرافقه وأكاديميته وجلب شباب ومواهب إضافية.

خلال الصيف، استغنى ساوثامبتون عن لاعبيه المميزين أمثال ديان لوفرين ولوك شو وآدم لالانا وتشامبرز ولامبرت، فتوقع كثيرون من وجهة نظر منطقية، بداية سيئة وإطاحة مبكرة بمدربه، لكن كيف قلب هذا النادي المنطق؟ … وكيف حلق من دون أجنحة؟

الإبقاء على من لا يمكن تعويضه:
ساوثامبتون كان في السوق مستعداً لبيع أي لاعب باستثناء أسماء قليلة، فرفض تماماً السماح لشنايدرلين بالرحيل رغم إعلان الأخير رغبته بذلك، وأبقى على وانياما رغم بعض المهتمين، وظهر موقفه في مسألة رحيلهما كأنه نادٍ كبير يرفض الاستغناء عن أفضل لاعبيه، بسبب التشدد الذي أظهره.

في كل فريق هناك عمود فقري لا يختل الفريق إلا باختلاله، قد يرحل النجوم وقد يرحل العنصر الجمالي لكن ما دام هذا العمود الفقري مستمراً، فإن الأداء يبقى مستقراً، وهذا ما كان خلف إبقاء شنايدرلين وزميله الكيني، فلم يكن لدى ساوثامبتون في قائمة مشترياته من يعوضهما.

نحن نسمح لكم بالرحيل !: 
قد يعتقد البعض أن كل الأندية المتوسطة تبيع نجومها عند وصول العرض المناسب من أجل المال فقط، وأنها ضعيفة الطموح لفعلها ذلك، لكن هناك بعض الأندية تستغل هذه المسألة لإيصال رسالة من خلال السماح للاعبين بخوض مغامرات أكبر مفادها “نادي ساوثامبتون لن يقف في طريق طموح أي منكم، في حال وصل العرض المناسب وفي التوقيت المناسب سنسمح لكم بالرحيل”.

مثل هذه الرسالة، جعلت لاعب بموهبة تاديتش ومستقبل ساديو ماني وخبرة جرازيانو بيلي الباحث عن تقدير وإدراك في أخر أيامه يوافقون على اللعب مع ساوثامبتون رغم خطورة المشروع، لكنهم يعلمون بأن موسماً جيداً واحداً كافياً لأن يحقق لهم أحلاماً باللعب مع فرق أكبر مثلما حصل مع ديان لوفرين الذي احتاج موسماً واحداً ليصبح في ليفربول، بل يدفعهم لمحاولة بذل كل شيء من أجل إثبات أنفسهم وتسريع الخطوة الكبيرة المقبلة.

هذا المبدأ دعمه أيضاً سوق انتقالات ذكية عالجت كل نقاط الضعف وكل المراكز التي باتت خالية، سواء من خلال سياسة الإعارة أو من خلال شراء مباشر، مما جعل الفريق يملك عمقاً كبيراً في التشكيل وبجودة مقبولة، مستفيداً من تفوقه مالياً على أندية في هولندا وأسكتلندا ودول أخرى ليشتري نجومها، فكان لدى المدرب مرونة في تغيير الشكل الفني كما يريد.

رونالد كومان :
رغم أن هذا المدرب كان له تجربة سيئة للغاية مع فالنسيا وإن حصل على لقب كأس الملك، لكنه أعطى مؤشرات إيجابية في تجارب أخرى مثل أياكس وبنفيكا وأيندهوفن، وأفضل وصف أعطي له جاء من صحيفة اندبندنت الإنجليزية، التي قالت “يملك فلسفة مشابهة لتلك التي يحملها مدرب إيفرتون روبرتو مارتينيز، وهذه الفلسفة أثبتت نجاحها مع فريق من حجم ساوثامبتون”.

كومان يحب أن يلعب بخطة 4-3-3، وهو ينوع بين شقيها الدفاعي والهجومي حسب معطيات اللقاء مستفيداً من عمق التشكيل الذي يملكه وتنوع اللاعبين، ومع الحرص على فكر تحرير المواهب الفردية والاستحواذ على الكرة، فإن ساوثامبتون قادر على حصد المزيد من النتائج الجيدة.

صحيفة التلجراف الإنجليزية قالت إن مدير الكرة في النادي ليس ريد قام بدراسة تحليلية معمقة للمدربين، قائمة على نقاط الضعف والقوة وملائمة فلسفة النادي، وكان هناك 6 مرشحين فكان الاختيار  في النهاية يصب في صالح رونالدو كومان، مما يكشف أن اختياره لم يكن اعتباطاً أو مجرد اسم مشهور، بل هو حالة مثالية لهم.

نظام إداري كروي متقدم:
داخل ساوثامبتون يكمن سر نجاحه، فهناك نظام متقدم من إدارة كرة القدم جعل رئيسه نيكولا كورتيسي يصف المدرب كومان بمدير قسم بدلاً من وصفه بالمدرب، فهناك تقسيم مهني إداري يشارك فيه الجميع لتحقيق الأهداف المطلوبة.

هذا النظام جعل لدى ساوثامبتون أحد أقوى مراكز تطوير المواهب، ويحرص هذا المركز على زرع فلسفة الفريق وتجهيز لاعبين للأسلوب الذي ينتهجه الفريق الأول منذ أن يكون عمر الطفل 8 سنوات، ويعترف هذا المركز بأنه جمع كل أسرار الأكاديميات الأخرى مثل لاماسيا وأكاديمية بايرن ميونخ وأكاديميات خاصة بالتنس ورياضات أخرى للوصول إلى أفضل طرق تطوير المواهب فنياً وصحياً وذهنياً.

لكل وظيفة هناك مسؤول حر بما يقوم به لكنه محاسب عليه، وهذا يجعلهم مثل شركة جوجل حسب وصف رئيسه لنظامهم الإداري، فهناك مثلاً في مركز تدريبات ساوثامبتون ما يعرف بالصندوق الأسود؛ غرفة يتم فيها تحليل كل مباراة في البطولات الأوروبية المهمة لتحديد اللاعبين المطلوبين في الموسم المقبل، وبعدها يتم البحث عن حياتهم الشخصية وقدرتهم على التأقلم والعيش في ساوثامبتون، مما يجعل النادي مؤهلاً لشراء صفقات بنسبة نجاح كبيرة وبعد دراسة متأنية،  وإن اخطأ بعض الأحيان مثلما حدث مع أوسفالدو الذي خرج عن طوره وضرب أحد زملائه.

تابع جديدنا على الفيسبوك:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *