هل تعني الأرقام والإحصائيات كل شيء في كرة القدم؟

التغير السريع في كرة القدم نحو الأرقام يتسارع

محمد عواد – سبورت 360 – في تقرير نشرته ESPN خلال كأس العالم 2014، كان عنوانه “في كواليس الأشخاص الذين يقيسون كل شيء في كأس العالم .. كل لمسة وتمريرة وعرقلة”، وكان الأمر إشادة هائلة بالتطور الذي حصل في كرة القدم، وكيف باتنا فهم اللعب من خلال جهد مهاويس الأرقام.

في مكان آخر، ظهرت نظارة جوجل على عيون الفريق الفني في اتلتيكو مدريد قبل أن تظهر لاحقاً في فالنسيا، وكان الهدف منها تزويدهم بكل الإحصائيات الحاصلة في المباراة أولاً بأول، لكن من الواضح أنها لم تستمر رغم النشاط الذي حاولت إدخاله للعبة.

يمكن قياس كل شيء الآن في كرة القدم تقريباً عندما نتحدث عن المباريات في البطولات المتقدمة، نبدأ من الكلام عن نبض القلب ونمر بأمور فنية مثل التمرير والتسديد ولمن تمرر وإلى أي جهة، وكيف تسدد ومن أين، ومقدار المسافة المقطوعة، وطريقة تدخلك على الكرات، وكل ما يمكن قياسه… يتم قياسه!

هذه الدقة من القياسات تسمى حالياً بتكميم كرة القدم، أي قياسها بشكل كمي وليس نوعي، أي بشكل رقمي، حيث تستطيع معرفة ما جرى في مباراة من خلال نظرة على الأرقام، وتستطيع فهم ما حصل، هكذا يقولون عندما يروجون لعمق الأرقام والإحصائيات التي توصلوا إليها … لكن هل هذا صحيح؟

جوليانو بيليتي، لاعب برشلونة السابق، خاض معهم 100 مباراة سجل هدفاً واحداً، لكنه أغلى من 100 هدف، لأنه كان الهدف الذي أعطى برشلونة دوري الأبطال 2006، وعن ذلك الهدف الوحيد يقول البرازيلي “إنه هدف أحدث تغييراً في مجرى التاريخ”.

شاهد هدف يبليتي الحاسم:

في حين خلال كأس العالم 1994، فاز سالينكو بلقب هداف البطولة من خلال تسجيل 5 أهداف في مباراة واحدة ضد الكاميرون وهدف أخر في مباراة أخرى، فهل يمكن القول إنه أفضل من باجيو وروماريو في تلك البطولة كهداف ؟

كيف يمكن مقارنة عدد الأهداف؟ هل هي بالكم؟ أم بالأهمية؟ .. ما فائدة تسجيل 100 هدف بلا لقب؟ وفي نفس الوقت تسجل 10 أهداف تحرز لك لقباً؟… هل الأرقام تعني كل شيء؟

كيف يمكن قياس مدافع غاية في الذكاء، يعرف أين يتمركز، بشكل يمنع الخصم من فعل أي شيء، ويجبره على خسارة الكرة، هل سنقول “إنه لا يقطع كرات؟!”

وماذا عن البرازيلي دنيلسون مثلاً، كان يستطيع مراوغة 100 لاعب، ولا يصنع هدفاً واحداً إلا في حالات نادرة، فما الفائدة من هذه الأرقام؟

هل يمكن قياس خدعة البرازيل ضد الاتحاد السوفييتي في مونديال 1986؟ هل هناك شيء يحسب لهذه الخدعة الذكية؟

           

وماذا عن تمريرة صحيحة جداً، وصلت زميلك، لكنها وضعته في ورطة، فقطعت من الكرة، وارتد الخصم، ليسجل هدفاً ، كيف يمكن اعتبار دقة التمرير 100% بهذه الكرة؟

وماذا عن أساليب الضغط العالي حيث قاطع الكرة قد يكون أقل مساهم بالأسلوب؟

وماذا عن تنظيف الكرة، الذي يعرف بمفهوم “Clearance” ، هل يمكن اعتبار إخراج ديفيد فيا للكرة ضد ريال مدريد إلى ركلة ركنية قتلت تاريخ أتلتيكو مدريد كله “تنظيف”؟.. هل يجب النظر لذلك رقمياً؟ ولو كان فيا مجبر عليها في ذلك الموقف!

الأرقام مهمة للغاية في كرة القدم، لكنها لا تعني كل شيء، مثلاً مفهوم معدل العمل “المسافة المقطوعة” قد يفيدك بأشياء، لكنه لا يعني كل شيء، فهناك من يجري 15 كيلو متراً ولا يعمل شيئاً مؤثراً في الملعب.

لا يمكن الاكتفاء بالأرقام، سواء من حيث صناعة الأهداف أو تسجيلها، أوي أي شيء كان، من دون النظر بالعين، من دون تقدير الأمر، فماذا عن مدافع قدم لك 100 تمريرة كلها لحارسه، هل سنقول أنه مدافع ممتاز ببناء اللعب؟ .. وماذا وماذا وماذا؟

أسلوب اللعب يشكل تأثيراً كبيراً بالأرقام، فاللعب المباشر سيظهر دقة تمرير أقل لدى لاعبي خط الوسط الهجومي، لكنهم يقومون بالمطلوب حسب الأسلوب، فهل سنقول لهم “لا يمررون جيداً!”.

الأرقام جميلة، أعشقها جداً في كرة القدم، تساعدني على فهم بعض الأمور، لكنها لن تساعدني على فهم الأمر كله .. في النهاية هناك 22 لاعباً على أرض الملعب وواحد فقط يلمسها، وبالتالي لا يمكن قياس اللعبة من خلال لمسة الواحد ونسيان الـ 21 !

من خصائص أي علم أن تكون نقائضه قليلة، وهو ما قد يعرف “بشذوذ القاعدة أو النظرية”، لكن عندما تصبح النقائض كثيرة جداً، فهذا لا يعدو علماً بل مجرد أداة، وهذه هي الحال بالنسبة لي مع أرقام كرة القدم .. التي قلت إنني أعشقها وأستعملها لكنني لا أعممها.

تابع الكاتب على شبكات التواصل الإجتماعي:

 



سناب شات : m-awaad

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *