كيف انهارت إمبراطورية أرسن فنجر ؟


خرج آرسنال ، وخسر أرسن فنجر شيئاً جديداً من إرثه، خرج من الدور الثالث في كأس الاتحاد الإنجليزي لأول مرة، وبات في شبكات التواصل الاجتماعي مادة للانتقاد، أو حتى السخرية، التي لم تعد تجد الكثير من المدفعجية يدافعون ضدها ويهاجمون أصحابها، على العكس مما كان عليه الوضع قبل سنوات.

أذكر جيداً موسم 2003-2004، وأذكر كيف شاهدت وأصدقائي كل مباراة لآرسنال بعد الجولة 20 منتظرين ومترقبين خسارته التي لم تحدث، أذكر بعدها، معنى مواجهة أي فريق لآرسنال في دوري الأبطال والمعاناة والقلق التي يشعر بها ، لا أقول ذلك لأظهر أنني المتابع القديم المحنك، بل لأقول أنني عاصرت الإمبراطورية في أوجها وشاهدت انهيارها تدريجياً.

هذا الأمر لم يعد موجوداً، وكي أكون صادقاً يمكنني القول إن فريقاً متوسطة مثل بشكتاش و شاختار لو واجه آرسنال لن يكون خائفاً، بل سيلعب كرته ويبحث عن التأهل، فالهيبة ضاعت، والأحلام تراجعت شيئاً فشيئاً، وحجج المدافعين عما يحدث باتت واهية، بل تحزن على أصحابها، لأنهم يعرفون بداخلهم أنهم يرددون حججاً صالحة لما قبل عام 2010.

لا يمكنني القول إن ما حدث يوم أمس صدمني ولو كان مفاجأة بالتأكيد، بل كان متوقعاً أن يحدث في أي موسم، وترتيبه في الدوري كذلك، وانحسار الطموح فعلاً بالمركز الرابع منذ بدء الموسم بدلاً من تحوله لطموح خلال الموسم مثلما كان يحدث في الماضي، فهناك حالة من التراجع الشامل، لا أتحدث فقط عن مدرب غير قادر على خلق فريق ثابت الأداء والنتائج في أخر 5 مواسم، فمرة يلعب بشكل رائع ومرة بشكل سيء ومرة يداور لغايات المجاملة لا الفوز، بل الأمر أكبر من ذلك بكثير.

مالياً على سبيل المثال، تراجع آرسنال من المركز الخامس من حيث الدخل عام 2010 إلى الثامن حسب المتوقع إعلانه قريباً، مع مؤشرات على أن استمرار معدل النمو به وبخصومه، قد ينتهي ليصبح العاشر خلال 5 سنوات، علماً أنه في 2010 كان خلف العمالقة الأشهر ريال مدريد و مانشستر يونايتد و برشلونة و بايرن ميونخ على الترتيب.

صحيح أن آرسنال ما زال يحقق أرباح أكبر من أندية كبرى تحقق دخلاً أعلى منه، لكنه يحرق قيمة النادي مقابل ذلك، فلا علامته التجارية تتقدم من حيث القيمة، ولا قيم لاعبيه كذلك، فهو حالياً في المركز 12 من حيث قيمة لاعبيه السوقية حسب ترانفسيرماركت، خلف فرق مثل أتلتيكو و توتنهام، وهناك أندية متوسطة في بلجيكا والبرتغال وفرنسا تحقق أرباحاً جيدة بنفس الفلسفة، لكن ذلك مقبول لأنها بالأساس لا تملك خياراً آخر، في حين أن آرسنال يستطيع تحقيق الربح والبطولات، فالمسألة ليست متناقضة فعلاً.

ومن أقوى أسلحة ارسن فنجر التي كانت تجعل بقاءه قراراً حكيماً، ثقة اللاعبين به، واستعدادهم للعب معه بكل الظروف، وكان هو من يقرر البيع، ويمكن القول إن أول مسمار في نعش هذه الهيبة، جاء عندما اخترع مبدأ أحمق يتعلق بشروط معقدة لتجديد عقد كل لاعب فوق ثلاثين سنة، فخسر لاعبين أمثال تيري هنري وباتريك فييرا، ليخسر القيادة من جهة، وإلهام الآخرين من جهة.

الحال تغير الآن، فلم يعد الفرنسي من يقرر من يبيع، بل إن لاعبين من دون نجاحات ملموسة قد يتمردوا عليه ليرحلوا مثلما ثعل شامبرلين، واليوم هو أمام خيار خروج سانشيز وأوزيل مجاناً إن لم يستغن عنهم في الشتاء!

يمكن القول إن قرار بقاء فنجر كان حكيماً لغاية 2012، بعدها بدأت هذه الإمبراطورية تسقط شيئاً فشيئاً، وبدأ الرجل يبدو خارج نطاق التغطية الكروية الحديثة، ولم يعد آرسنال يلعب فعلاً أجمل كرة قدم، ولا أحدث أشكالها، نعم ما زال يلعب كرة جميلة، لكنها ليست الأجمل ولا الأذكى، ولكن للعلم أي مدرب يستطيع لعب بعض المباريات الجميلة عندما يجعل النتائج ليست مهمة له، ويحرر لاعبيه، لكن فريق بحجم آرسنال يجب أن يهتم للنتائج.

لو سألت 100 شخص، عدد لي أكبر 10 أندية في العالم، من المحتمل “بل أعتقد ذلك” أن نسبة تصل إلى 50% لن تذكر آرسنال، وهذا أمر لو قلته عام 2008 على سبيل المثال، لضحك عليك الناس وقالوا “مجنون، تستبعد آرسنال!”.

هي أخطاء متراكمة ارتكبها فنجر، استغنى عن أساطيره وهم في عز عطائهم، ثم وافق على بيع نجومه لخصومه المباشرين مع وصول الاستثمارات إلى تشلسي و مان سيتي ، ليتحول في نظر لاعبيه إلى فريق يهمه المال قبل المنافسة، ثم أصر على فلسفات لا تعمل، ثم تجاهل فرص عديدة في السوق كانت تستطيع رفع جودته، ثم جعل تعاقداته متركزة على بطولات معينة، فنحن أمام نادي يكاد لا يشتري لاعب إلا من الدوريات الكبرى فقط، مما يؤكد وجود مشكلة لديه في شبكة الكشف عن النجوم.

صحيح جلب فنجر أسماء شابة في الماضي لم نكن نعرفها من فرنسا واسبانيا، وحولها لنجوم، لكن الزمن تغير مع تقدم التكنولوجيا وسيطرتها على كل شيء، فالجميع الآن يعرف أي نجم في أي بلد مع انتشار أول مقطع فيديو له، مما أفقد فنجر قوته في بعض الأسواق مثل السوق الفرنسي، وبدلاً من أن يتعايش مع النظام الحديث للعبة السوق، بقي متمسكاً بفلسفته القديمة بكل وضوح.

كما أنه اعتقد أن كرة القدم ثاتبة لا تتغير، وهذا سينجح لو كان مدرباً دفاعياً، فالكرة الدفاعية أقل من حيث سرعة التطور والتغيير، والمدربين الذين يميلون لها قد يحققوا نجاحات بأي فترة من مسيرتهم، على العكس من أصحاب الكرة الهجومية، الذين يظهر عليهم الانحدار عادة مع مرور السنوات، إن لم يقوموا بحك رؤوسهم ، وزراعة أفكار جديدة متطورة فيها.

عندما تنظر إلى قائمة الأسماء التي يملكها آرسنال، لا يمكنك القول إنها سيئة، أو لا تستطيع تحقيق ما يحققه ليفربول على سبيل المثال، وبالتأكيد لا يمكن أن تخسر بنتيجة إجمالية 10-2 أمام أي فريق في العالم، لكن هناك مشكلة واضحة بالتوظيف، هناك مشكلة واضحة بالخطاب التحفيزي، وهناك مشكلة أكبر بالطموح وإقناع اللاعبين أنهم لا يمكنهم الاحتفال بالتعادل مع بورنموث !

منذ 2014، بات واضحاً أن الفريق لن يتماسك ولن يعود إلى الأمام، إلا لو تلقى صدمة، كانت الجماهير تراهن على رجل يأتي من بعيد ويمتلك النادي، ويجعله في سلطة يد واحد مطلقة ، لكن هذا لم يتحقق، فالإدارة متناقضة الأهواء مشكلة كبرى واجهت آرسنال، ولو نظرنا للظروف الواقعية الآن، فإن الصدمة التي يحتاجها آرسنال على الأغلب … العيش من دون أرسن فنجر، ابتداء من نهاية الموسم.

قد يبقى كمستشار لموسم آخر من باب الاحترام، لكن جلب مدربين شباب بأفكار جديدة وطاقة ورغبة بتحقيق شيء، سيحقق هدفاً مهماً من اليوم الاول، وهو بعث الأمل في النفوس، داخلياً وخارجياً وهذا المهم.

لو أردت تلخيص إجابة على سؤالي في العنوان لقلت “قناعات وقرارات شخصية راهن عليها فنجر، وتكتيكات غير محدثة في الملعب، وسوق غير طموحة من جهة ولا ذكية أو واسعة من جهة أخرى، وملكية مشتركة لا يمكنها أن تدير شركة بشكل صحيح ولا توحد جهودها، والقبول بأنصاف الحلول؛ النجاح المالي مقابل الرياضي”.


روابط مهمة:






تابع الكاتب :

انستاجرام : @mohammedawaad





سناب شات : M-awaad


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *